اسم الکتاب : تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : البيضاوي، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 125
الْقُرْآنُ
أي ابتدئ فيه إنزاله، وكان ذلك ليلة القدر، أو أنزل فيه جملة إلى سماء الدنيا ثم نزل منجماً إلى الأرض، أو أنزل في شأنه القرآن وهو قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «نزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين، والإِنجيل لثلاث عشرة، والقرآن لأربع وعشرين»
والموصول بصلته خبر المبتدأ أو صفته والخبر فمن شهد، والفاء لوصف المبتدأ بما تضمن معنى الشرط. وفيه إشعار بأن الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصوم. هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ حالان من القرآن، أن أنزل وهو هداية للناس بإعجازه وآيات واضحات مما يهدي إلى الحق، ويفرق بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافراً فليصم فيه، والأصل فمن شهد فيه فليصم فيه، لكن وضع المظهر موضع المضمر الأول للتعظيم، ونصب على الظرف وحذف الجار ونصب الضمير الثاني على الاتساع. وقيل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ هلال الشهر فليصمه، على أنه مفعول به كقولك: شهدت الجمعة أي صلاتها فيكون وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مخصصاً له، لأن المسافر والمريض ممن شهد الشهر ولعل تكريره لذلك، أو لئلا يتوهم نسخه كما نسخ قرينه. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أي يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر عليكم، فلذلك أباح الفطر في السفر والمرض. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ علل لفعل محذوف دل عليه ما سبق، أي وشرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر والمرخص بالقضاء ومراعاة عدة ما أفطر فيه، والترخيص وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ إلى آخرها على سبيل اللف، فإن قوله وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ علة الأمر بمراعاة العدة، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ علة الأمر بالقضاء وبيان كيفيته، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ علة الترخيص والتيسير. أو الأفعال كل لفعله، أو معطوفة على علة مقدرة مثل ليسهل عليكم، أو لتعلموا ما تعلمون ولتكملوا العدة، ويجوز أن يعطف على اليسر أي ويريد بكم لتكملوا كقوله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ. والمعنى بالتكبير تعظيم الله بالحمد والثناء عليه، ولذلك عدى بعلى. وقيل تكبير يوم الفطر، وقيل التكبير عند الإهلال وما يحتمل المصدر، والخبر أي الذي هداكم إليه وعن عاصم برواية أبي بكر وَلِتُكْمِلُوا بالتشديد.
[سورة البقرة (2) : آية 186]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أي فقل لهم إني قريب، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم،
روي: أن أعرابياً قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ تقرير للقرب. ووعد للداعي بالإجابة.
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم وَلْيُؤْمِنُوا بِي أمر بالثبات والمداومة عليه. لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق. وقرئ بفتح الشين وكسرها.
واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم، مجازيهم على أعمالهم تأكيداً له وحثاً عليه، ثم بين أحكام الصوم فقال: